ميسون علي : أهم سمات العروض التي اتسمت بالتجريب المراهنة على المضمون والعلاقة مع الممثّل في علاقته مع الجمهور .
رياض سكران : الجامعة بمثابة المختبر لبلورة الرؤى المسرحية.
انطلقت اليوم في تمام الواحدة مساء، الجلسة الثانية للمحور الفكري “تأثير جهة الإنتاج بما تمنح من مقدرات إنتاجية وأدوات عمل على التجريب في المسرح” بقاعة المؤتمرات بالمجلس الأعلى للثقافة ضمن فعاليات الدورة (٢٨) لمهرجان القاهرة الولي للمسرح التجريبي، ضمن فعاليات اليوم الثاني.
أدار الندوة الأستاذ الدكتور أبو الحسن سلام، الذي بدأ حديثه بتقديم المشاركين في الندوة وهما : الدكتورة ميسون علي من سوريا، والدكتور رياض موسى سكران من العراق الذي قدم بحثا بعنوان ” غواية التجريب في عروض المسرح الجامعي ” وبدأ قائلا : سلام ومحبة وجمال لصانعي هذا الجمال، ومعنا هذه النخبة من الأساتذة الافاضل واسعدني هذا الحضور والتجلي ضمن مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي .
وتابع: يتخطي مفهوم التجريب في العرض المسرحي حدود وصفه انعكاسا للواقع اليومي وتتخطي عناصره حدود وصفها كأدوات مسرحية ضمن سياقاتها التعبيرية المألوفة والمعروفة ، فالفريق من الفنانين والتقنيين لا يمكن أن يتواجد إلا عندما يكون أعضائه من طلبة الجامعة لأن قدرتهم على التكيف أكبر، والجامعة بمثابة المختبر لبلورة الرؤى، رؤية المخرج التي نختذلها في حقيقة واحدة بأنه يرى ما لا يراه الآخرون، لينقلها في كادر مع العاملين معه.
واستكمل: صلاح القصب يمثل نموذجا حقيقيا لعنوان هذه الجلسة عن غواية التجريب في المسرح الجامعيووقد أخذت نماذج في هذا البحث، لعل أكثرهم إثارة للجدل المخرج صلاح القصب الذي قدم أهم التجارب في المسرح العربي وكان كل العاملين معه من الطلبة، واستطاع أن يوفر أساسيات الإنتاج المسرحي، فابتكر الاشياء ، ومسرحيته “أحزان مهرج السيرك” قدمت في مسرح دائري اعتمد على الازياء فقط التي أنتجتها الكلية، ولم يحتاج لأموال كبيرة، واستعان بكل الإمكانات المتاحة وقدم عرضا في باحة الكلية.
ثم تحدثت الدكتورة ميسون علي عن “الصيغ الإنتاجية والتجريب بين المؤسسة الرسمية والجهات الخاصة”، وقالت: مربكة الكتابة عن المسرح في هذه الأيام أكثر من أي وقت مضى، لأنه ودون اتفاق مسبق يظهر السؤال عن مكان وتوصيف اي حلم أو مشروع مسرحي مما يجري اليوم.
وتابعت : يتمركز النشاط المسرحي ضمن المؤسسة الرسمية التي تأسست عام ١٩٥٨ وضمنها المسرح القومي والمسارح الأخرى وهذه المؤسسة تخضع لإشراف الدولة التي تمولها وتدفع أجور العاملين فيها وبالتالي فهي تراعي في سياستها الثقافية توجهات الدولة.
واستكملت: تتبع ممارسة المسرح في مديرية المسارح فممارسة المسرح تتبع آلية الدور والموافقة، وصارت العروض على قلَّتها متشابهة وتقليدية، و المسرح لم يكن يوماً حكراً على القوننة، وأصبح بحاجة إلى كلّ شيءٍ في غياب المؤسسة ، والرغبة في ألا تكون للمسرح جهةٌ واحدةٌ منوط بها التفكير عن المسرحيين واتخاذ زمام المبادرة منهم، بعد أن ظل المسرح القومي لأكثر من خمسين عاماً هو الجهة الأساسية لإنتاج المسرح، وعلى الفرق المستقلة الحصول على موافقة مديرية المسارح والموسيقى في حال أرادت تقديم أية عروض وقد حاولت المؤسسة تقديم منح داعمة لنذْرٍ قليل من الفرق الشابة بغية توسيع قاعدة الجمهور، ولكن هذا لم يكن كافياً لكسر الركود والتقليدية .
واستكملت: الظرف الاقتصادي جعل أغلب المسرحيين يتجهون في خياراتهم إلى نصوص تضم عدداً قليلاً من الشخصيات ولا تحتاج إلى تكاليف ضخمة في الإنتاج، وأصبح من الضروري تنوّع الجهات الداعمة الذي سيؤدي إلى تنوّع في التوجهات والأطروحات وخلق صيغ مسرحية جديدة، تصب في التجريب كبحث فكري وجمالي وكسر الأعراف التقليدية التي تتميّز بها معظم عروض المؤسسة الرسمية من خلال البحث عن فضاءات بديلة.
وأضافت: لابد من الحديث عن دور الجيل الجديد، وربما أهمُّ ما أنجزه هو الوعي بأنّ الأسئلة التي طرحها جيل الآباء لم تتمّ الإجابة عنها بعد، ويتراوح أفراد هذا الجيل بين: كتّاب، ومخرجين، وسينوغرافيين، ونقّاد وقد بدأ هؤلاء التأثير بشكلٍ ملحوظ، ما أدى إلى مبادرات فنون الأداء المستقلة في سوريا منذ 2007 وعادت الحاجة إلى إطار الفرقة المسرحية تتبدى بأشكالٍ أكثر انفتاحاً وتنظيماً وترافقت مع الانشغال بسؤال تمويل المشاريع المستقلة.
الجيل الجديد يضمُّ مجموعة من الذين سافروا في نهايات القرن الماضي لدراسة المسرح في أوروبا وعادوا ولدى أغلبهم رغبةٌ في خلق علاقة أكثر ديناميكيَّة مع الجمهور، وإشراكه في حركة المسرح العالمية من خلال التجريب والترجمة.
وأردفت: السؤال الذي طرحه شباب هذا الجيل عن العلاقة مع المسرح وكيف يجب أن تكون بشكل يختلف عن السائد، ويُعيد تفكيك العلاقة مع الجمهور، إذ يشكِّك بما حوله من أعراف وينتقد ما يحضره، ويدعو للمعرفة من خلال تنظيم وحضور ورشات، ومحاولة الانفتاح بالمسرح على بقية الفنون، تبدّى هذا الأمر في بعض العروض المقدمة في دمشق وبعض المحافظات، وهي عروض ذات تمويل مستقل مع ظهور اللاعبون الجدد، وهم الجهات المانحة التي بدأت بالدخول إلى سوريا سواء العربيّة أو الأجنبية، وقد استفاد من فرص التمويل بشكلٍ أساسيّ الجيل الشابّ، وبدؤوا ينجزون مشاريع مسرحيّة بمعادلاتٍ جديدةٍ منها: “فرقة باب للفنون المسرحيّة” ، و”مختبر دمشق المسرحي”، وبدأ المخرجون يقترحون صيغاً تجريبية تحتفل بالنص، وتعيد الاعتبار له أمام بقيّة عناصر العرض المسرحي، وتعاظم ذلك مع حضور الدراماتورجيا في جميع مكوّنات العمل المسرحيّ بعد أن كان فهمها يقتصر على إعداد النصّ دون الولوج إلى جوهر العلاقة المسرحيّة، وهذا الحضور العمليّ ارتبط بتقديرٍ أعلى للنصّ وبلغةٍ تفرد مساحةً أكبر للنقاش والحوار.
كما تمت إعادة النظر بموقع الممثل في العملية المسرحية، وبشكل أدائه ومحاولة الخروج من العمارة المسرحية التقليدية والعلبة الإيطالية إلى فضاءات بديلة حسب متطلبات النص وهذه الفضاءات الجديدة بدأت تجذب نوعية مختلفة من الجمهور، وهذا التفكير بموقع المتفرج في العرض، والعلاقة بين حيّز الفرجة وحيّز الأداء أدى إلى تطوّر في العمل السينوغرافي في العرض، كما كان حضور اللغة في هذه العروض أكثر مشاكسةً على مستوى الخطاب والمعالجة
واختتمت حديثها: إحدى أهم سمات هذه العروض التي اتسمت بالتجريب، المراهنة على المضمون والعلاقة مع الممثّل في علاقته مع الجمهور بوصفه صانعاً ومرسلاً للخطاب مما يتطلب جمهوراً حاضراً مثقّفاً لا نخبويّاً، ورغم أنّ هذه العروض أنتجت شكلاً من النقاش مع الجمهور، إلا أنّها حجزت لنفسها مساحةً من الجديّة والالتزام وعلى صعيدٍ آخر فإنّ العلاقة بين مضامين هذه العروض وجمهورها لا تزال في مرحلتها التأسيسيّة، وتستلزم الكثير من الوقت لتتوضّح سيما وأنّ من يقفون خلف العروض يقدّمون أنفسهم بوصفهم أصحاب مشاريع مسرحيّة، ويراهنون على مراكمةٍ طويلة الأمد.